كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ... (40)}.
العرب لها في (أرأيت) لغتان، ومعينان:
أحدهما أن يسأل الرجل الرجل: أرأيت زيدا بعينك؟ فهذه مهموزة. فإذا أوقعتها على الرجل منه قلت: أرأيتك على غير هذه الحال؟ تريد: هل رأيت نفسك على غير هذه الحال. ثم تثنّى وتجمع، فتقول للرجلين: أرايتما كما، وللقوم: أرأيتموكم، وللنسوة: أرأيتنّكنّ، وللمرأة: أرأيتك، تخفض التاء والكاف، لا يجوز إلا ذلك.
والمعنى الآخر أن تقول: أرأيتك، وأنت تريد: أخبرنى (وتهمزها) وتنصب التاء منها وتترك الهمز إن شئت، وهو أكثر كلام العرب، وتترك التاء موحّدة مفتوحة للواحد والواحدة والجميع في مؤنّثه ومذكّره. فتقول للمرأة: أرايتك زيدا هل خرج، وللنسوة: أرايتكنّ زيدا ما فعل. وإنما تركت العرب التاء واحدة لأنهم لم يريدوا أن يكون الفعل منها واقعا على نفسها، فاكتفوا بذكرها في الكاف، ووجّهوا التاء إلى المذكّر والتوحيد إذ لم يكن الفعل واقعا. وموضع الكاف نصب وتأويله رفع كما أنك إذا قلت للرجل: دونك زيدا وجدت الكاف في اللفظ خفضا وفى المعنى رفعا لأنها مأمورة.
والعرب إذا أوقعت فعل شيء على نفسه قد كنى فيه عن الاسم قالوا في الأفعال التامّة غير ما يقولون في الناقصة. فيقال للرجل: قتلت نفسك، وأحسنت إلى نفسِك، ولا يقولون: قتلتَكَ ولا أحسنتَ إليك.
كذلك قال الله تبارك وتعالى: {فاقتلوا أنفسكم} في كثير من القرآن؛ كقوله: {وماظلمناهم ولكِن ظلموا أنفسهم} فإذا كان العفل ناقصا- مثل حسبت وظننت- قالوا: أَظُنُّنى خارجا، وأَحسِبنى خارجا، ومتى تراك خارجا. ولم يقولوا: متى ترى نفسك، ولا متى تظنّ نفسك. وذلك أنهم أرادوا أن يفرُقوا بين الفعل الذي قد يُلْغى، وبين الفعل الذي لا يجوز إلغاؤه؛ ألا ترى أنك تقول: أنا- أظنّ- خارج، فتبطل (أظنّ) ويعمل في الاسم فعله. وقد قال الله تبارك وتعالى: {إِن الإِنسان ليطغى أَن رآه استغنى} ولم يقل: رأى نفسه. وربما جاء في الشعر: ضربتَكَ أو شبههُ من التامّ. من ذلك قول الشاعر:
خُذَا حَذرًا يا جارتىَّ فإننى ** رأيتُ جِرَان العَوْدِ قد كاد يُصْلح

لقد كان لى في ضَرّتين عدِمتُنى ** وما كنت أَلقَى من رزينة أَبرحُ

والعربِ يقولون: عدِمتُنِى، ووجدتُنى، وفقدتُنى، وليس بوجه الكلام.
{فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَاكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ}.
وقوله: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ...}.
معنى (فلولا) فهلاَّ. ويكون معناها على معنى لولا؛ كأنك قلت: لولا عبدالله لضربتك. فإذا رأيت بعدها اسما واحدا مرفوعا فهو بمعنى لولا التي جوابها اللام؛ وإذا لم تر بعدها اسما فهى استفهام؛ كقوله: {لولا أَخَّرْتَنِى إلى أَجلٍ قريب فأصدّق وأَكُن مِنَ الصالِحِين}.
وكقوله: {فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} وكذلك (لوما) فيها ما في لولا: الاستفهام والخبر.
وقوله: {فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ (44)} يعنى أبواب الرزق والمطر وهو الخير في الدنيا لنفتنهم فيه. وهو مثل قوله: {حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهارًا} ومثله: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقًا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} والطريقة طريقة الشرك أي لو استمرّوا عليها فعلنا ذلك بهم.
وقوله: {فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ} المبلس: اليائس المنقطع رجاؤه. ولذلك قيل للذى يسكت عند انقطاع حجته ولا يكون عنده جواب: قد أبلس وقد قال الراجز:
يا صاح هل تعرف رسما مكرسا ** قال نعم أعرفه وأبلسا

أي لم يحر إلىّ جوابا.
وقوله: {يَأْتِيكُمْ بِهِ (46)} كناية عن ذهاب السمع والبصر والختم على الأفئدة. وإذا كنيت عن الأفاعيل وإن كثرت وحّدت الكناية كقولك للرجل: إقبالك وإدبارك يؤذينى. وقد يقال: إن الهاء التي في بِهِ كناية عن الهدى، وهو كالوجه الأوّل.
وقوله: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ (51)} يقول: يخافون أن يحشروا إلى ربهم علما بأنه سيكون. ولذلك فسّر المفسرون {يَخافُونَ}: يعلمون.
وقوله: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ (52)} يقول القائل: وكيف يطرد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من يدعو ربه حتى ينهى عن ذلك؟ فإنه بلغنا أن عيينة بن حصن الفزارىّ دخل على النبي صلى اللّه عليه وسلم وعنده سلمان وبلال وصهيب وأشباههم، فقال عيينة: يا رسول اللّه لو نحيّت هؤلاء عنك لأتاك أشراف قومك فأسلموا. فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ}.
وقوله: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ (54)} تكسر الألف من (أنّ) والتي بعدها في جوابها على الائتناف، وهى قراءة القرّاء.
وإن شئت فتحت الألف من (أنّ) تريد: كتب ربكم على نفسه أنه من عمل.
ولك في (أنّ) التي بعد الفاء الكسر والفتح. فأمّا من فتح فإنه يقول: إنما يحتاج الكتاب إلى (أنّ) مرة واحدة ولكن الخبر هو موضعها، فلما دخلت في ابتداء الكلام أعيدت إلى موضعها كما قال: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرابًا وَعِظامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} فلمّا كان موقع أنّ: أيعدكم أنكم مخرجون إذا متم دخلت في أوّل الكلام وآخره. ومثله: {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ} بالفتح. ومثله: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ} ولك أن تكسر (إن) التي بعد الفاء في هؤلاء الحروف على الاستئناف ألا ترى أنك قد تراه حسنا أن تقول: {كتب أنه من تولاه فهو يضله} بالفتح. وكذلك {وأصلح فهو غفور رحيم} لو كان لكان صوابا. فإذا حسن دخول (هو) حسن الكسر.
وقوله: {وليستبين سبيل المجرمين (55)} ترفع (السبيل) بقوله: (وليستبين) لأنّ الفعل له. ومن أنّث السبيل قال: {وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}. وقد يجعل الفعل للنبىّ صلى اللّه عليه وسلم فتنصب السبيل، يراد به: ولتستبين يا محمد سبيل المجرمين.
وقوله: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يقض الحقّ (57)} كتبت بطرح الياء لاستقبالها الألف واللام كما كتب {سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ} بغير واو، وكما كتب {فَما تُغْنِ النُّذُرُ} بغير ياء على اللفظ. فهذه قراءة أصحاب عبد اللّه. وذكر عن علىّ أنه قال: {يَقُصُّ الْحَقَّ} بالصاد. قال حدّثنا الفرّاء قال: وحدّثنى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن رجل عن ابن عباس أنه قرأ {يقضى بالحق} قال الفرّاء: وكذلك هي في قراءة عبد اللّه.
وقوله: {وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ (59)} يجوز رفعها.
وقوله: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً (63)} يقال: خفية وخفية. وفيها لغة بالواو،- ولا تصلح في القراءة: خفوة وخفوة كما قيل: قد حلّ حبوته وحبوته وحبيته.
وقوله: {لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ (63)} قراءة أهل الكوفة،- وكذلك هي في مصاحفهم- (أن ج ى ن ألف) وبعضهم بالألف {أنجانا} وقراءة الناس {أنجيتنا} بالتاء.
وقوله: {قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذابًا مِنْ فَوْقِكُمْ (65)} كما فعل بقوم نوح: المطر والحجارة والطوفان {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ}: الخسف {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا}: يخلطكم شيعا ذوى أهواء.
وقوله: {وَلكِنْ ذِكْرى (69)} في موضع نصب أو رفع النصب بفعل مضمر (ولكن) نذكرهم (ذكرى) والرفع على قوله (ولكن) هو (ذكرى).
وقوله: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا... (70)}.
يقال: ليس من قوم إلّا ولهم عيد فهم يلهون في أعيادهم، إلا أمّة محمد صلى اللّه عليه وسلم فإن أعيادهم برّ وصلاة وتكبير وخير.
وقوله: {وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ} أي ترتهن والعرب تقول: هذا عليك بسل أي حرام. ولذلك قيل: أسد باسل أي لا يقرب والعرب تقول: أعط الراقي بسلته، وهو أجر الرقية.
وقوله: {يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا... (71)}.
كان أبو بكر الصدّيق وامرأته يدعوان عبد الرحمن ابنهما إلى الإسلام. فهو قوله: {إِلَى الْهُدَى ائْتِنا} أي أطعنا، ولو كانت إلى الهدى أن ائتنا لكان صوابا كما قال: {إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحًا إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ} في كثير من أشباهه، يجيء بأن، ويطرحها.
وقوله: {وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ... (72)}.
مردودة على اللام التي في قوله: {وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ} والعرب تقول: أمرتك لتذهب (وأن تذهب) فأن في موضع نصب بالردّ على الأمر. ومثله في القرآن كثير.
وقوله: {كُنْ فَيَكُونُ... (73)}.
يقال إنّ قوله: {فَيَكُونُ} للصّور خاصّة، أي يوم يقول للصّور: {كُنْ فَيَكُونُ}.
ويقال إن قوله: {كُنْ فَيَكُونُ} لقوله هو الحقّ من نعت القول، ثم تجعل فعله {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} يريد: يكون قوله الحقّ يومئذ. وقد يكون أن تقول: {وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ} لكل شيء فتكون كلمة مكتفية وترفع القول بالحقّ، وتنصب (اليوم) لأنه محل لقوله الحقّ.
والعرب تقول: نفخ في الصور ونفخ، وفى قراءة عبد اللّه: كهيئة الطير فأنفخها فتكون طيرا بإذنى وقال الشاعر:
لولا ابن جعدة لم يفتح قهندزكم ** ولا خراسان حتى ينفخ الصور

ويقال: إن الصور قرن، ويقال: هو جمع للصور ينفخ في الصور في الموتى.
واللّه أعلم بصواب ذلك.
وقوله: {وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ... (74)}.
يقال: آزر في موضع خفض ولا يجرى لأنه أعجمىّ. وقد أجمع أهل النسب على أنه ابن تارح، فكأن آزر لقب له. وقد بلغني أن معنى (آزر) في كلامهم معوّج، كأنه عابه بزيغه وبعوجه عن الحقّ. وقد قرأ بعضهم {لِأَبِيهِ آزَرَ} بالرفع على النداء (يا) وهو وجه حسن. وقوله: {أَتَتَّخِذُ أَصْنامًا آلِهَةً} نصبت الأصنام بإيقاع الفعل عليها، وكذلك الآلهة.
وقوله: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ... (76)}.
يقال: جنّ عليه الليل، وأجنّ، وأجنّه الليل وجنّه الليل وبالألف أجود إذا ألقيت (على) وهى أكثر من جنّه الليل.
يقال في قوله: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَبًا قالَ هذا رَبِّي} قولان: إنما قال: هذا ربّى استدراجا للحجّة على قومه ليعيب آلهتهم أنها ليست بشيء، وأن الكوكب والقمر والشمس أكبر منها ولسن بآلهة ويقال: إنه قاله على الوجه الآخر كما قال اللّه تبارك وتعالى لمحمد صلى اللّه عليه وسلم: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى} واحتجوا هاهنا بقول إبراهيم: {لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ}.
وقوله: {وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ (83)} وذلك أنهم قالوا له: أما تخاف أن تخبلك آلهتنا لسبّك إياها؟ فقال لهم: أفلا تخافون أنتم ذلك منها إذ سوّيتم بين الصغير والكبير والذكر والأنثى أن يغضب الكبير إذ سوّيتم به الصغير. ثم قال لهم: أمن يعبد إلها واحدا أحقّ أن يأمن أم من يعبد آلهة شتىّ؟ قالوا: من يعبد إلها واحدا، فغضبوا على أنفسهم. فذلك قوله: {وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ}.
وقوله: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ... (84)}.
هذه الهاء لنوح: و(هدينا) من ذرّيته داود وسليمان. ولو رفع داود وسليمان على هذا المعنى إذ لم يظهر الفعل كان صوابا كما تقول: أخذت صدقاتهم لكل مائة (شاة شاة) وشاة.
وقوله: {وَالْيَسَعَ... (86)}.
يشدّد أصحاب عبد اللّه اللام، وهى أشبه بأسماء العجم من الذين يقولون: {وَالْيَسَعَ} لا تكاد العرب تدخل الألف واللام فيما لا يجرى مثل يزيد ويعمر إلا في شعر أنشد بعضهم:
وجدنا الوليد بن اليزيد مباركا ** شديدا بأحناء الخلافة كاهله

وإنّما أدخل في يزيد الألف واللام لمّا أدخلها في الوليد. والعرب إذا فعلت ذلك فقد أمسّت الحرف مدحا.
وقوله: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ... (89)}.
يعنى أهل مكّة {فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْمًا} يعنى أهل المدينة {لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ} بالآية.
وقوله: {وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ (91)} ما عظّموه حقّ تعظيمه. وقوله: {تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ} يقول: كيف قلتم: لم ينزل اللّه على بشر من شيء وقد أنزلت التوراة على موسى {تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ} والقرطاس في هذا الموضع صحيفة. وكذلك قوله: {وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتابًا فِي قِرْطاسٍ} يعنى: في صحيفة.
{تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيرًا} يقول: تبدون ما تحبون، وتكتمون صفة محمد صلى اللّه عليه وسلم.
وقوله: {قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} أمر محمد صلى اللّه عليه وسلم أن يقول: {قُلِ اللَّهُ} أي: أنزله اللّه عليكم. وإن شئت قلت: قل هو اللّه.
وقد يكون قوله: {قُلِ اللَّهُ} جوابا لقوله: {مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى}، {قُلِ اللَّهُ} أنزله. وإنما اخترت رفع اللَّهَ بغير الجواب لأن اللّه تبارك وتعالى الذي أمر محمدا صلى اللّه عليه وسلم أن يسألهم: {مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ} وليست بمسألة منهم فيجابوا، ولكنه جاز لأنه استفهام، والاستفهام يكون له جواب.
وقوله: {ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} لو كانت جزما لكان صوابا كما قال: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا}.
وقوله: {وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى... (92)}.
يقال في التفسير: إنّ أمّ القرى مكّة.
وقوله: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ} الهاء تكون لمحمد صلى اللّه عليه وسلم وللتنزيل.
وقوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا... (93)}.
يقال: إنها نزلت في مسيلمة الكذّاب، وذلك أنه ادّعى النبوة.
{وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ} ومن في موضع خفض. يريد: ومن أظلم من هذا ومن هذا الذي قال: سأنزل مثل ما أنزل اللّه. نزلت في عبد اللّه بن سعد بن أبى سرح.
وذلك أنه كان يكتب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فإذا قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} كتب سَمِيعٌ عَلِيمٌ أو عَزِيزٌ حَكِيمٌ فيقول له النبي صلى اللّه عليه وسلم: سواء حتى أملّ عليه قوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} إلى قوله: {ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقًا آخَرَ} فقال ابن أبى سرح: {فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ} تعجّبا من تفصيل خلق الإنسان، قال فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم: هكذا أنزلت علىّ، فشكّ وارتدّ. وقال: لئن كان محمد صلى اللّه عليه وسلم صادقا لقد أوحى إلىّ (كما أوحى إليه) ولئن كان كاذبا لقد قلت مثل ما قال، فأنزل اللّه تبارك وتعالى فيه: {وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ}.